Monday, February 13, 2006

الغرب ... مخادع؟


وأنا في طريق العودة إلى شقتي المتواضعة كنت مشحونا بالأفكار والتساؤلات كعادتي كل يوم. لكن الليلة كانت  أفكاري كلها ندم وباتت "تطل من رأسي الظنون تلوموني…. وتشد أذني…. فلطالما باركت كذبك كله… ولعنة ظني…لعنت ظني!"
نعم أنت الخائن… المخادع…ذا الإبتسامة الماكرة ذات الأماني المزيفة …والشعارات التالفة ..أنت ….أنت…أنت نعم أنت يامن كنتُ يوما أقدس كينونتك……ويلك!!....ويلك….فهأناذا فائق من غيبوبة تنويمك المغناطيسي…مدركُ للحقيقة…..قائم بكل عزم….أنادي
" إقرعوا الطبول و جهزوا الجيوش و هموا بالزحف المقدس"

  لم أحقد يوما في حياتي كلها عليك أيها الغرب الشامخ, أكثر من لحظتي هذه!! سنوات وأنا أحاول أن أرتقي إليك ظناُ مني بأنك الأصدق والأنبل والأفضل

ليس هذا الكلام ناتج عن مجردأحداث سياسية يرتعش لها البدن أو ردة فعل عاطفية على رسوم كرتونية تافهة مهينة وهدامة. فالسياسة كلها رذيلة وخداع ورسميات وشكليات قبيحة. أنا لست مولعا بالسياسة وإنما أنا أكرهها لأنني أحب الإنسان!
إنما جزعي وندمي على فقدان الغرب للمعني الحقيقي للحضارة الإنسانية.

الليلة كنت عائدا من محاضرة ألقاها الباحث الفرنسي المخضرم برنارد هنري ليفي

( Bernard-Henri Lévy  ).

 كانت الجامعة قد وجهت له دعوة بمناسبة كتابه الجديد الذي يناقش عملياُ انجازات الولايات المتحدة على مستوى التطور الحضاري والاندماج والتنوع الثقافي رغم وجود القومية الأمريكية. يفسر الكاتب في مقدمة المحاضرة الدوافع التي أدت به لكتابة هذا الكتاب, فهو قبل كل شيئ من فرنسا….و الفرنسيون لاتستهويهم الحضارت الأخرى وبخاصة الغير أوروبية. يشير الكاتب بأن الحقد الشعبي الموجود في فرنسا خصوصا وفي العالم عموما إتجاه أمريكا هو السبب الرئيسي الذي دفعه لخوض تجربة الترحال في الولايات المتحدة بحثا عن حقائق تبرهن نجاح النموذج الأمريكي الديمقراطي.
ففي فرنسا الحقد ضد أمريكا ليس له أسباب سياسية وإنما سببه إختلاف في المنهج الفكري وفهم الديمقراطية.
أولا,فمثلا في أوروبا, كلما زاد إنفتاحك وديمقراطيتك (وحداثتك) كلما أصبح من الضروري أن يقل تدينك وينحسر إرتباطك بالدين.....ولتحقيق الديمقراطية الكاملة فإنه عليك أيضا أن تمحو دينك.
ثانيا, تسود في أوروبا الأفكار القومية بشكل منقطع النظير. فلكي تكون منتميا إلى دولة أوربية معينة فإنه يجب عليك ذلك أن تخلع كل ملابسك القديمة وأن ترتدي حلتك الجديدة. أفضل الأشياء هي أن تكون أوروبيا( أو فرنسيا) و لكن لكي يتحقق ذلك عليك أن تنسى كل ماضيك و تتبرأ من كل إنتمائتك.

هذا برأي أنا يفسر معاناة عرب الجزائر الذين يواجهون تحديات كبيرة في فرنسا على الرغم من وجود الكثير منهم في فرنسا منذ اكثر من 100 سنة.
قبل حوالي 3 أسابيع زار جامعة رايس المفكر الأمريكي ديفيد (نسيت أسمه الأخير) المختص في دراسات عن الشؤون الفرنسية. كانت المحاضرة التي ألقاها تسلط الضوء على الأقلية العربية والأسلامية في فرنسا و الأضطهادات الواضحة لها من قِبل الحكومة الفرنسية. على العكس من برنارد هنري, كان ديفيد أكثر تفهما للإسلام والأقلية الإسلامية. فرق بسيط بينهما:
فالأول فرنسي متحرر وقومي وذو ماضي ماركسي والآخر أمريكي يهودي ( هذا يعني أنا له ماضي يهودي وأن أصله عبري).........

كانت محاضرة برنارد عبارة عن طرح أسئلة وأجوبة, عدا المقدمة التي حدثتكم عنها في بداية الحديث....أول سؤال وجه إليه هو عن رأيه في أحداث الشغب الأخيرة التي وقعت في فرنسا نتيجة لردة فعل المسلمين ضد الرسوم الكرتونية للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم..!!!
إجابة برنارد كانت طويلة...تحدث فيها عن كثير من النقاط
1- الجالية الإسلامية في فرنسا مقارنة مع الأمريكيون ذو الأصل الأفريقي في أمريكا
في نظره أن سياسة الأستبداد التي لطالما نجحت في فرنسا في السيطرة والتعامل مع الأقليات فقدت مفعولها والدليل هو أحداث الشغب التي لاتكاد أن تنتهي في فرنسا
2- الجالية الإسلامية في أمريكا
تحدث الأستاذ برنارد عن مدينة آن أربور في ولاية ميشيغن. بدأ قائلا بأنه "مدينة عربية" وبكل سخرية بدأ يصف لافتات السيارات و المطاعم مثل مكدونالدز و قال عن وجود آيات قرآنية في كل مكان (بطريقة استخفاف بحتة). وواصل الباحث جهله حتى أنه عندما رأى سيارة كتب عليها "طالب" ربطها بالنظام السياسي البائد في أفغانستان "
طالبان"
هذا هو الجهل بعينه.....
كان يصف العرب الذين يعيشون في أمريكا بأنهم على الرغم من أنهم يعتزون بأصولهم وتراثهم إلا أنهم يفخرون بكونهم أمريكيون كل الفخر.......و يقول أن كل من قابله من العرب الأمريكيون أشار بأنهم يريدون أن يصلوا إلى ما قد وصل أليه اليهود في أمريكا
3-خطر الأسلاميين على العالم ووجوب محاربتهم
كلامه أثار في نفسي الغضب. حيث أنه قال "بأن على الرغم من وجود إختلاف جذري بين الشيعة والسنة في العالم الإسلامي إلا أنهم يقفون متحدين ضدنا"
4- دور فرنسا وأمريكا في إنشاء دول ديمقراطية في العالم العربي والاسلامي هو دور مهم جدا
عبر برنارد هنري عن صدمته عند علمه بفوز حماس و أحمدينجاد و حزب الله في إنتخابات ديموقراطية.......وقال بأن هذا خطر كبير.....وسمى سوريا(حزب الله) وأيران (الأسلحة النووية) و حماس (مناهضة أسرائيل) بأنهم مثلث الشر............

هذا يعود بي لمقدمتي عن الغرب....هاهو ذا المفكر الذي ولد في الجزائر و  أمضى جزءا كبيرا من حياته في بنجلادش, أفغانستان, و دول إسلامية وعربية أخرى...............يرتكب خطاءا كبيرا جدا

فالكاتب أجحف في حق الإسلام و فشل في فهمه وفهم المجتمعات العربية والأسلامية التي تختلف عن كل الشعوب الأخرى في فهمها وفلسفتها في الحياة.....كيف للكاتب أن يتصور بأن الديمقراطية التي تطبق في النرويج مثلا يمكن تطبيقها في السعودية.......؟!؟؟!؟!
كما تقول شيرين عبادي فإن "النساء السعوديات أنفسهن سيرفضون الحقوق التي تعطيها إياهم ديمقراطية النرويج"

الكاتب أدرك بأن هنالك فرق بين أوروبا وأمريكا لكنه فشل في فهم الفرق بين العرب والأوربييين ......مئات السنين من الاستعمار و آلاف المستشرقين ولا زال الغرب ينظر للمسلمين ولمجتمعاتهم بنظرة يملؤها الدهشة والصدمة والأزدراء...........فالمشكلة أنه حتى من أسس هذذ الحضارة الكبرى....لايحاول فهم أن هناك شعوب أخرى تعتقد بفلسفة أخرى للحياة...ولذلك فهم سيظلون مختلفون .....

صدام الحضارات قد أتى وبات من الواجب على المجتمع الدولي أن ينشأ حضارة جديدة حضارة تبتعد عن عولمة وإزالة الثقافات والاختلافات بين الشعوب..............فالشعوب مختلفة لا محالة,,,,لا محالة.....وهذا مدعوم بالقرآن الكريم.....
الحضارة العالمية الأنسانية يجب إعادة صياغتها من حضارة غربية تريد أن تعولم العالم و تجعله كله متماثلا لأهوائها وقيمها إلى حضارة ترحب بالأختلاف وتحترمه خاصة إذا كان له جذور تاريخية مشرقة و مشرفة

لماذا لايفهم الغرب بأننا لا نريد ديمقراطياته وتدخلاته...........كل مشاكل العرب و المسلمون هي ناتجة في النهاية عن تدخل قوى أجنبية غربية.....حتى مشكلة بن لادن والتعصب الديني المنحرف أو سيطرة الوهابية أو الحكومات الحالية.........قائمة المشاكل التي سببها الغرب لنا نحن العرب والمسلمون لا تنتهي ولن تنتهي إن لم نضع حدا لها الآن.......
فقد حان الوقت
" إقرعوا الطبول و جهزوا الجيوش و هموا بالزحف المقدس"