شأني شأن الملايين من الشباب العربي أهتم في الشؤون السياسية لوطننا العربي, و أقضي ساعات في سرد و تحليل الأحداث التاريخية و أخرى في مناقشة الوضع الراهن و طرح بعض التكهنات. لكنه اتضح لي مع نهاية سنة 2011, بكل ما فيها من سلام و عنف, أنني لا يمكنني التكهن بتطورات الأحداث ما دام هنالك كل ذاك الضجيج المشوَش و كل تلك الفوضى المربكة.
لم أكتب يوما ً ما في السياسة للقارئ العربي, ربما لأن الخوف يعتريني كلما هممت بترتيب أفكاري, حيث ما ألبث أتخيلني أسردها في إحدى المخافر العربية في محضر عنوانه "التحريض على الإرهاب". تفاديت مثل هذا البلاغ مرات كثيرة, لكن ما سمعته اليوم من ضجيج السياسة العربية أربكني واستفزني كي أبعثر هذه الكلمات على سطور لعله يهدأ ضجيجي و يسكن ارتباكي ويتبدل الهذيان إلى مضمون, أعبر فيه عن إيماني بعدم التهاون أبداً في مواجهة الإمتداد الصهيوني الذي ينخر أمتنا العربية.
لماذا أظن أن تسليح المعارضة السورية لعبة سياسية؟
أربعة و ستون عاما ً من الاحتلال , و عقود من النكبة و النكسة و المقاومة و الانتفاض لم تستفز دولا عربية من تسليح الشعب العربي في فلسطين لمقاومة العدو الصهيوني, و ها هي الثورة السورية تحث البعض على الاعتقاد"بأنها فكرة ممتازة".
لست هنا في صدد نقد فكرة تسليح الثورة السورية, و التي قد تنقل فكرة الحرب الأهلية من الاحتمال إلى الحتمية, و لست في صدد الدفاع عن نظام قمعي بوليسي يستخدم البطش للسيطرة على البلاد مدنسا ً العروبة و ضاربا ً حقوق الإنسان و الحرية بعرض حائط ملوث بالطائفية. إنني أقف مع الشعب السوري بشبابه و بكافة أطيافه في المطالبة بحقه في تداول السلطة و التأسيس لمجتمع مدني في سوريا الإباء و المقاومة, كما أتمنى أن يسود السلام و الحرية و العدل و الكرامة في كافة أقطار أمتنا العربية, لاسيما في وطني الحبيب.
إنما أنا هنا أتسائل ألم تكن الشعوب العربية في فلسطين و لبنان تحتاج للدفاع عن نفسها اتجاه الغزو و العدوان الصهيوني أم أن الثوار السوريين هم فقط الذين يستحقون "توفير الحماية لأنفسهم"؟ ألم تستيقظ النخوة العربية و الأخوة الإسلامية في الانتفاضة الثانية؟
ربما كانت على غفلة....
فماذا عن عدوان تموز في لبنان؟ ألا يخوض الثوار السوريون "مغامرة" ؟ أين السكينة و التعقل الذي تشبثوا بها و هم يشاهدون الصواريخ الصهيونية تحطم لبنان و تحصد أكثر من ألف شهيد عربي؟ ...
التضامن العربي و الحفاظ على القومية العربية لم يظهر للعيان في شهر كامل من العهر الإسرائيلي في غزة و لم يصحو إلا الآن على طبول الضجيج و تراجيديا الفوضى.
دماء الشعب السوري غالية علينا جميعا ً, و قلوبنا تخفق لأولئك الأطفال الأبرياء الذين يعيشون الهلع و الخوف في كل لحظة , فقط لأن آبائهم أبوا أن يكبر أبنائهم في سوريا "الأسد".
في هذا السياق يتحدث البعض قائلا "ضميري يحتم علي مصارحتكم بأن ما تم التوصل إليه لا يرقى لحجم المأساة ولا يفي بما يتوجب علينا فعله ". . .و على الرغم من تعاطفي مع أشقاءنا العرب في كافة الأقطار العربية في مواجهة استبداد أنظمتهم, تمنيت لو أنني سمعت هذه الكلمات تقال في حق المسجد الأقصى في بيت المقدس, في الضفة الغربية التي اختنقت بالمستوطنات و المخلفات الإسرائيلية , أو في غزة التي ما زالت محاصرة . . .
و في ظل التراجع العربي عن المقاطعة و التوجه نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني تدعو دولٌ عربية بفرض عقوبات تشمل "منع وصول الاسلحة وما يتصل بها من عتاد الى النظام السوري وبحث سبل الحد من قدرة النظام على الحصول على الوقود والتموينات الاخرى المستخدمة لاغراض عسكرية". . . يتجدد الإحباط عندما أعلم أن مثل هذه الكلمات, التي لا تخلو من الحشد و التجنيد, لم يتردد صداها في مواجهة الكيان الصهيوني خلال الأربعين عاما ً الماضية.
و الأدهى من كل ذلك هو أن يقود هذه الحملة لمناصرة المعارضة السورية دول لا تقبل بوجود المعارضة بل تحاربها بشتى أنواع القمع و التنكيل.
في الحقيقة, هناك فرق كبير بين من يتوق إلى استرداد كرامة الشعوب العربية و استقلال الأمة من الاستعمار و الهيمنة الصهيوإمبريالية و بين من يبعثر كل ما في جعبته من نِعم من أجل القيادة و الهيمنة.
من وجهة نظري, تسليح المعارضة السورية , و إن بدا على أنه مساعدة إنسانية, فهو لعبة سياسية !